إيكو عربي – خاص
الهجرة المناخية هي ظاهرة تزداد انتشارا على مستوى العالم، حيث يضطر السكان إلى الانتقال من مناطقهم الأصلية بسبب التغيرات المناخية والظروف البيئية القاسية. تشمل هذه العوامل الفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى البحار والأعاصير. ونتيجة لتفاقم هذه الظروف، يجد العديد من السكان أنفسهم مجبرين على البحث عن بيئات أكثر استقرارًا تلبي احتياجاتهم الأساسية للعيش الكريم.
تسببت التغيرات المناخية في نزوح ملايين الأشخاص على مستوى العالم. على سبيل المثال، شهدت العديد من المناطق حول العالم نزوحا ناجما عن تغيرات مناخية خطيرة. ففي المالديف، يواجه السكان خطرا متزايدا بسبب ارتفاع مستوى البحر، بينما تسببت الفيضانات والجفاف في بنغلاديش و”الممر الجاف” بأمريكا الوسطى في هجرة العديد من المزارعين إلى المناطق الحضرية بحثًا عن فرص أفضل.
في ولاية لويزيانا الأمريكية، دفعت التغيرات المناخية سكان جزيرة “إيل دو جان شارل” إلى مغادرة منازلهم بسبب ارتفاع مستوى البحر وتآكل السواحل. وفي الصومال، تسببت موجات الجفاف المتكررة في نزوح داخلي كبير، حيث اضطر السكان للانتقال بحثًا عن المياه والمراعي، مما فاقم الظروف الإنسانية والتوترات الاقتصادية.
في الأهوار العراقية، تسببت الأزمات المائية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات نتيجة تغيرات مناخية وسياسات تركيا وإيران المتعلقة بالسدود، في تدهور الحياة التقليدية في المنطقة، مما أجبر السكان على النزوح إلى مناطق أخرى أو العمل في قطاع النفط. أدى تلوث المياه وارتفاع الملوحة إلى صعوبة العيش وتهديد التنوع الحيوي للحيوانات، مما زاد من تعقيد الأزمة.
الجفاف في سوريا والهجرة المناخية
في سوريا، لعب الجفاف الشديد الذي استمر بين عامي 2006 و2010 دورا رئيسيا في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وظهور أولى بوادر الهجرة المناخية. كان هذا الجفاف من الأسوأ في تاريخ البلاد، ودمّر المحاصيل وأدى إلى نفوق العديد من الثروة الحيوانية، مما أضر بمعيشة المجتمعات الريفية التي تعتمد على الزراعة.
نتيجة لذلك، انتقل أكثر من مليون سوري من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص، بحثا عن مصادر رزق بديلة في بيئة حضرية متوترة. أدى هذا النزوح إلى زيادة الضغط على البنية التحتية للمدن وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وخاصة في “المستوطنات” العشوائية التي تجمع فيها النازحون.
سوء إدارة الموارد وتأثير العقوبات الاقتصادية
في تلك الفترة، لم تتمكن الحكومة السورية من إدارة الموارد بشكل فعال للتعامل مع الأزمة، حيث زادت محدودية استجابتها من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار.
وتفاقمت الأزمة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا في عام 2008، مما زاد من معاناة سكان المدن والأرياف. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الوضع سوءاً وشكل ذريعة لاحتجاجات متفرقة في عام 2011، تزامناً مع أحداث ما أطلق عليه “الربيع العربي” لتتدحرج كرة اللهب في البلاد، في سيناريو بات معروفاً باسم الأزمة السورية.
زاد الوضع السوري سوءا بفعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، وقانون “قيصر”، حيث أثرت تلك العقوبات على قدرة البلاد على استيراد التكنولوجيا الزراعية والمعدات الضرورية، مما عرقل تطوير نظام زراعي أكثر مرونة واستدامة لمواجهة التغيرات المناخية.
وما زال السوريون حتى اليوم يواجهون تحديات مضاعفة بفعل آثار المناخ المستمرة من جهة، والصراع المسلح من جهة أخرى، مما يزيد من صعوبة جهود التكيف والاستجابة للتغيرات المناخية.
السياق العالمي وأهمية التحرك
تمثل الحالة السورية مثالا حيويا على تداخل العوامل البيئية والسياسية والاقتصادية، وتوضح كيف يمكن للتغير المناخي أن يكون عاملا محفزا للنزاع من خلال زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وهو ما يُظهر أهمية تعزيز القدرة على التكيف مع التغير المناخي وإصلاح السياسات المرتبطة بالاستقرار الاجتماعي والأمني. تتطلب الهجرة المناخية، سواء في سوريا أو في مناطق أخرى من العالم، استجابة دولية تدعم المجتمعات الهشة وتساعدها على مواجهة التحديات البيئية، وتجنب تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل.
قائمة المصادر:
ReliefWeb
InterClimate Network
Stanford Doerr School of Sustainability
KPBS Public Media
International Organization for Migration
United Nations Environment Programme